المقاومة- أنثروبولوجيا الحرية ضد الاستعمار والإمبريالية

المؤلف: عياد أبلال09.25.2025
المقاومة- أنثروبولوجيا الحرية ضد الاستعمار والإمبريالية

إن استكشاف خطاب المقاومة يمثل تعمقًا في فهم أنثروبولوجيا القهر والاستبداد، تلك الظواهر التي تجسدت تاريخيًا في أبهى صورها من خلال مجابهة الاستعمار والاحتلال، وصولًا إلى الرأسمالية المتوحشة بكل أشكالها. فمن قلب العالم العربي والإسلامي، مرورًا بأتون حرب فيتنام، ووصولًا إلى ربوع أمريكا اللاتينية وأيرلندا، وبالتأكيد جنوب أفريقيا، والهند، والصين، كانت المقاومة ولا تزال حجر الزاوية في التوق الأزلي للحرية.

الأنساق الثقافية المتنوعة تشكل الأساس والمرجعية الفكرية لحركات المقاومة. الدين يبقى عنصرًا مؤثرًا، لكنه ليس سوى جزء من تلك النسيج الثقافي المعقد. بذلك، تظهر المقاومة الفلسطينية، على غرار نظيرتها اللبنانية، كحركة مناهضة للاحتلال والاستعمار والإمبريالية، لا كعمل عنف أعمى أو إرهاب مقنع بالإسلام، كما تحاول الرواية الإسرائيلية والغربية تصويرها، من خلال الربط بين المقاومة وما تسميه "الحرب الإسلامية ضد حق اليهود في الحياة".

التأصيل الأنثروبولوجي للمقاومة في العصرين الحديث والمعاصر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبحث التاريخي. جميع أشكال المقاومة، سواء في فلسطين ولبنان، أو قبل ذلك في جنوب أفريقيا، وأيرلندا، وفيتنام، والعراق، وسوريا، وسائر مناطق التوتر حول العالم، تنبع من القرن التاسع عشر، حيث تظهر الإمبريالية الغربية كخلفية تاريخية تفسر الكثير مما يحدث اليوم. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على ألمانيا، انطلقت حركات التحرر في جميع أنحاء العالم، مدعومة بصعود قطبين عسكريين متنافسين: أمريكا والاتحاد السوفياتي، في صراع ثقافي وسياسي وعسكري ضخم.

نظرًا لاستبعاد نشوب حرب عالمية ثالثة، انخرط العالم في حرب باردة طاحنة، سارع فيها كل قطب إلى دعم ومساندة حلفائه. القطب الشيوعي أو الاشتراكي تلقى الدعم من الاتحاد السوفياتي، بينما حظي القطب الرأسمالي الليبرالي بدعم أمريكا. تحول الصراع بين القطبين إلى حروب بالوكالة في فيتنام، وأفغانستان، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط.

هذه الحروب أدت إلى خلق مناطق توتر في العالم لتعزيز الرأسمالية الاحتكارية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وتفكك الاتحاد السوفياتي في بداية عام 1991، مما أذن ببداية نظام عالمي جديد تحت سيطرة الأحادية القطبية.

الاستعمار والاحتلال في شمال أفريقيا والمقاومة المغاربية

الاستعمار الفرنسي في المنطقة المغاربية بدأ في عام 1830 باحتلال الجزائر، وفي عام 1881 باحتلال تونس، وفي عام 1912 بفرض الحماية الفرنسية على وسط المغرب وشرقه وغربه، والإسبانية على شماله وجنوبه. حصول هذه البلدان على استقلالها، على غرار باقي المستعمرات، في عام 1956 بالنسبة للمغرب وتونس، وفي عام 1962 بالنسبة للجزائر، لم يكن سلسًا، بل شهدت المقاومة المغاربية مراحل متعددة انتقلت فيها من الأشكال السلمية والسياسية إلى المقاومة المسلحة، مخلفة ملايين الشهداء والجرحى والمعطوبين. متحف الإنسان في فرنسا لا يزال شاهدًا على جماجم هؤلاء الشهداء، وخاصة الجزائريين، مما يعكس وحشية الاستعمار الفرنسي للمنطقة، بالإضافة إلى قصف الريف المغربي بالأسلحة الكيميائية من قبل إسبانيا.

بعد سقوط الخلافة العثمانية في تونس والجزائر، وما خلفه من فراغ على مستوى الدولة، واجهت الجزائر وتونس استعمارًا بشعًا استهدف استيطان الأرض واستغلال ثرواتها وقتل سكانها وفق سياسة الأرض المحروقة. المغرب شهد نفس المصير رغم عدم خضوعه للخلافة العثمانية، وتعرض للتحرشات الأوروبية-الفرنسية منذ معركة إيسلي عام 1844، لوضع حد لمساندة المغرب للمقاومة الجزائرية، كما لو كنا أمام سيناريو الغزو الإسرائيلي للبنان بذريعة وضع حد لمساندة المقاومة الفلسطينية، ولكن الهدف الحقيقي كان استعمار فرنسا للمغرب أيضًا.

وجدت الشعوب المغاربية نفسها في مواجهة الاستعمار الفرنسي كأداة من أدوات الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية. فرنسا لم تكتفِ باستغلال الثروات الطبيعية للمنطقة، عبر استيطان الأرض وتفويتها ضدًا على الشرعية التاريخية والقانونية لصالح المستوطنات والمعمرين الفرنسيين، وتصدير منتجاتها ومحاصيلها الزراعية والتجارية إلى فرنسا وعموم أوروبا، بل استهدفت استعباد شعوب المنطقة. الإنسان تحول، وفق نظام العبودية الفرنسي الجديد، إلى كائن يجب ترويضه لتلبية رغبة فرنسا في زيادة الإنتاجية الرأسمالية. تاريخ الاستعمار في المنطقة يشهد على بشاعة الجرائم التي بدأت بالاستعباد واستباحة النساء والتنكيل بالأطفال والشيوخ العزل، وانتهت بالتقتيل الجماعي.

لهذا السبب، لم تجد الشعوب المغاربية حلاً سوى التوحد في حركات المقاومة المسلحة بعد فشل كل المساعي السلمية والدبلوماسية والسياسية، وهو ما يفسر ظهور هذه المقاومة في سنوات متأخرة من الاستعمار والاحتلال.

المغرب لم يؤسس جيش التحرير إلا في عام 1947، وتونس في عام 1952، والجزائر في عام 1955، بعد مرور عقود طويلة على الاستعمار الفرنسي، حيث طغى على المقاومة الطابع السلمي من احتجاج ومسيرات وعصيان مدني، مقابل حركات مقاومة مسلحة في القرى والأرياف لم تدم طويلًا.

بعد فشل المسعى السلمي في المقاومة، لجأت شعوب المنطقة إلى الخيار العسكري بعد إمعان الاستعمار في التنكيل بالمقاومين والرافضين، وهو ما ينطبق على المقاومة في ليبيا مع الاستعمار الإيطالي، حيث برزت المقاومة المسلحة كحل نهائي بعد فشل المقاومة السلمية.

الاستعمار في المنطقة المغاربية لم يكتفِ باحتلال الأرض واستعباد الإنسان وسلب حريته وكرامته، بل كانت الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية خلفية لنهب الثروات وتسخير الشعوب. الثقافة كانت أحد أركان الاستعمار، لذا عمد الاستعمار الفرنسي على غرار الاستعمار الإيطالي إلى ممارسة كل أشكال الاستلاب والتفكيك التي طالت الثقافة المغاربية عبر التفريق بين المكون العربي والمكون الأمازيغي، كما فعل في الظهير البربري، والذي حاول من خلاله تقسيم المغرب مجاليًا بين المناطق الأمازيغية والمناطق العربية، وهو ما فعله أيضًا في الجزائر بين شرقها وغربها، وفي تونس بين شمالها وجنوبها الغربي، بالإضافة إلى استغلال الدراسات الأنثروبولوجية وتوظيف ضباط الحماية لتفكيك الدين الإسلامي واعتباره مرجع تخلف شعوب المنطقة.

هذا أدى إلى اشتداد حدة المقاومة بالسعي وراء تفنيد مزاعم المستعمر بتقوية صفوفها ووحدة شعوبها عسكريًا وثقافيًا ودينيًا إلى أن حصلت على استقلالها السياسي، بينما بقي الاستقلال الاقتصادي معلقًا بسبب إستراتيجية نظام التبعية الاقتصادية الذي أسسته الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية الجديدة لاستدامة الاستعمار وفق صيغ جديدة ومستحدثة.

الاستعمار والمقاومة في فيتنام

القوى الإمبريالية الكلاسيكية (فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، بلجيكا، هولندا) خبرت المقاومة الموحدة التي تأسست على قاعدة الوحدة التاريخية التي شكلتها الشعوب المستعمَرة. أما القوى الإمبريالية المعاصرة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الاستعمارية الأوروبية المتحالفة معها، فقد ابتكرت ما يمكن تسميته بتفتيت المقاومة بالميز العنصري والطائفي، عبر تقسيم المستعمرات القديمة إلى دولتين أو أكثر، وتشجيع الحروب والصراعات الأهلية.

في حرب فيتنام، التي تم تقسيمها إلى شمالية وجنوبية، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم وتمويل فرنسا في سياق استمرار الحرب الهندو-صينية الأولى، متحالفة مع الحكومة في فيتنام الجنوبية الموالية للغرب ضدًا على دعم الاتحاد السوفياتي لفيتنام الشمالية التي تحالفت بدورها مع الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، مما أدى إلى نشوب مقاومة شرسة من قبل فيتنام لمنع انتشار الشيوعية، في حرب رأسمالية احتكارية إمبريالية ضد الاشتراكية.

توحدت مختلف أطياف الشعب الفيتنامي ضد العدو الأمريكي الذي خاض حربًا انتهكت فيها كل المواثيق الدولية والأخلاقية والحقوقية الإنسانية، ذهب ضحيتها ما يقارب أربعة ملايين شخص معظمهم من المدنيين العزل. قبل انتهاء هذه الحرب الغاشمة التي امتدت من عام 1959 إلى عام 1973 بانتصار جيش فيتنام الشمالية وتوحيد البلاد من جديد، كانت المقاومة المسلحة ضد العدو الأمريكي إحدى أبرز حركات المقاومة المسلحة ضد الاستعمار في العصور الحديثة، حيث شكل ثلاثي الأرض والإنسان والثقافة شعار هذه المقاومة، ومنه انبثقت القيم الإنسانية التي حارب من أجلها المستضعفون في الأرض منذ فجر التاريخ، وهي الحرية والكرامة والحياة، وهي قيم ميزت كل حركات المقاومة عبر التاريخ.

بالرغم من أن هذه القيم كانت جوهر الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صاغته الأمم المتحدة عام 1948، فإن الغرب أثبت وما يزال عدم إيمانه بها، بل وتوظيفها لاستدامة الاستعمار والاحتلال في صيغ مستجدة، بما يضمن انتصار الغرب والرأسمالية وانفراده بحكم العالم.

المقاومة في أيرلندا

من أجل تفتيت وإضعاف أيرلندا وإبقائها تابعة للتاج البريطاني، عملت بريطانيا على دعم أيرلندا الجنوبية وفرض أداء قسم الولاء من قبل كل أعضاء البرلمان الأيرلندي، بوصفه مجرد إقليم يتمتع بالحكم الذاتي مقابل تبعيته للتاج البريطاني، وأبقت بريطانيا القواعد العسكرية في الجنوب. الجيش الجمهوري اعتبر ذلك اعتداء على الأرض وانتزاعًا لقيم الكرامة والحرية والحياة التي من أجلها يحيا الإنسان ويموت، وشعار الجيش الجمهوري كان "الدولة الحرة".

بالرغم من أن الحرب لم تدم طويلًا (1921-1923)، إلا أنها أظهرت أن إستراتيجية التقسيم والتفرقة كانت سياسة استعمارية متبعة منذ بداية القرن العشرين. هذه الحرب، التي سميت بحرب الاستقلال التي خاضها الجيش الجمهوري الأيرلندي ضد القوات البريطانية، سبقتها مقاومة أيرلندية شعبية ابتدأت منذ عام 1916 بانتفاضات تطالب بالحرية والاستقلال، بعد أن كانت خاضعة للحكم الذاتي كصيغة من صيغ الاحتلال البريطاني.

مقاومة الميز العنصري في جنوب أفريقيا

لا يمكن فهم حركات الاستقلال الهندية إلا باستحضار الاستعمار البريطاني واللعب على وتر الطوائف والأقليات وفق إستراتيجية "فرق تسد". كذلك لا يمكن فهم حركات مقاومة الميز العنصري في جنوب أفريقيا دون استحضار الاستعمار البريطاني بعد فترة وجيزة من الاستعمار الهولندي. ثقافة الرجل الأوروبي الأبيض المتحضر والمتقدم مقابل باقي الأجناس المتخلفة، وخاصة ذوي البشرة السوداء، تجد تجلياتها المرجعية في الاستعمار البريطاني، وهو ما اتضح مع التيارات الأنثروبولوجية التطورية التي تصورت التقدم والشعوب بشكل خطي يتقدمه الإنسان الغربي الأبيض الذي استمر في التنكيل بالعنصر الأسود منذ عام 1948، السنة التي فاز بها الحزب الوطني بالانتخابات، وإن كان الميز في الحقيقة يعود إلى عام 1910، تاريخ استقلال جنوب أفريقيا. هذا الميز العنصري المقيت لم ينتهِ إلا في عام 1990، مما مهد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة شاركت فيها كل الأطياف السياسية، والتي منحت الفوز للمؤتمر الوطني الأفريقي عام 1994. نيلسون مانديلا أصبح أول رئيس لجنوب أفريقيا من بشرة سوداء بعد أن قضى أكثر من 27 عامًا في الاعتقال، لم تفتر خلالها المقاومة.

تعددت أشكال مقاومة الميز العنصري بتعدد التيارات السياسية، والتي كان معظمها يحظى بدعم قوى اليسار في العالم، وخاصة الاتحاد السوفياتي منذ نهاية الخمسينيات، خاصة أن الحزب الوطني الحاكم منذ عام 1948 كان مواليًا للغرب. الحزب الوطني الأفريقي ومؤتمر الأفارقة والحزب الشيوعي تبنوا على حد سواء عدة أشكال للمقاومة تراوحت بين الإضرابات الشعبية والعصيان المدني والمظاهرات الطلابية والمقاومة المسلحة. نظام الأبارتيد ارتكز في سياسته التدبيرية للأرض والإنسان والثقافة على مشاريع استيطانية كولونيالية مشابهة للاستيطان الإسرائيلي لفلسطين.

تشكلت مستوطنات قومية للبيض منفصلة عن الدولة على حساب أراضي الفلاحين والمزارعين السود، مما ساهم في سيطرة البيض على مقدرات البلاد في التجارة والصناعة والزراعة، وبقي العنصر الأسود يعاني الاستيطان الاحتلالي إلى حدود عام 1994، نتيجة كل أشكال المقاومة التي خاضها السود بدعم من بعض الحساسيات والتيارات الديمقراطية والإنسانية والحقوقية من البيض أيضًا في جنوب أفريقيا وفي العالم بشكل عام.

مقاومة الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية في أميركا اللاتينية

بالتعمق في البحث في نظام الأبارتيد، يتضح أن العنصر المفتقد في التحليلات السياسية المتعارف عليها، وفق السردية الغربية، هو عنصر الرأسمالية الاحتكارية ذات النزعة الإمبريالية، والتي تعود بجذورها إلى بداية القرن التاسع عشر، حيث ميلاد الحركات الاستعمارية التوسعية.

تجربة أمريكا اللاتينية مع فيدل كاسترو وتشي جيفارا تقدم بعضًا من عناصر الفهم. بعد زوال الاستعمار في بلدان أمريكا اللاتينية من الاستعمار الإسباني والفرنسي والبريطاني والبرتغالي، مالت بعض الأنظمة المستقلة والأحزاب حديثًا (الأرجنتين، كولومبيا، المكسيك، كوبا، بوليفيا، تشيلي، بيرو، فنزويلا) إلى القطب السوفياتي، وأصبحت مسرحًا للحرب الباردة خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بشكل مباشر أحيانًا من خلال الإطاحة بأنظمة وحكومات خصومها، ودعم النزاعات المسلحة، وبشكل غير مباشر عبر دعم ومناصرة حلفائها من الأنظمة والحكومات بالمال والدعاية والسلاح.

في هذا السياق الاستعماري الجديد، نشطت حركات المقاومة المسلحة في أمريكا اللاتينية، وخاصة في كوبا، وبوليفيا، وغواتيمالا، وبيرو، والإكوادور، وهي بلدان كانت مقسمة بين أنظمة موالية للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعارضات ثورية يسارية في مجملها تشكو ظلم واستغلال الغرب، وتحظى بدعم الاتحاد السوفياتي.

نظرًا لعدم التكافؤ بين الأنظمة والحكومات عسكريًا والمقاومة، استعار العقل الثوري في أمريكا اللاتينية مفهوم حرب العصابات من المقاوم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسباني في شمال المغرب في بدايات القرن العشرين. برز اسم تشي جيفارا وفيدل كاسترو كرمزين لهذه المقاومة المسلحة، إذ كانت المقاومة في الأصل صرخة المظلومين ضد جشع واستغلال القوى الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في صفوف المزارعين، حيث تمثل الأرض رمزًا للوجود، وحيث العزة والكرامة لا مكان لهما في ظل هيمنة القوى الإمبريالية في العالم.

لهذا اعتبر جيفارا أن الحل يكمن في مقاومة هذه القوى من خلال ثورة عالمية يتحد فيها كل ضحايا هذه القوى. هذا ما يفسر انتقال جيفارا، بدعم من فيدل كاسترو، إلى عدد من بلدان أمريكا اللاتينية والأفريقية والآسيوية، حيث أقام علاقات قوية مع رموز المقاومة بهذه البلدان التي شملت الجزائر، مالي، برازافيل، الكونغو، تنزانيا، مصر، وفلسطين نفسها التي زارها عام 1959 داعمًا نضالات الشعب الفلسطيني.

جيفارا اعتبرها من ضحايا الإمبريالية والصهيونية العالمية، مما يجعل جوهر كل أشكال المقاومة لا يتحدد بالدين والعرق، بل بمقاومة الظلم، سواء تمثل في الاحتلال أو الاستعمار أو الميز العنصري. جيفارا عبر عن ذلك بقوله: "إن مقاومة الظلم لا يحددها الانتماء لدين أو عرق أو مذهب، بل يحددها طبيعة النفس البشرية التي تأبى الاستعباد وتسعى للحرية". إذا كان أصل الشرور كلها هو الاستعمار، فإن القولة المأثورة لزعيم المقاومة المسلحة في المغرب بالقرن العشرين محمد بن عبد الكريم الخطابي ("انتصار الاستعمار ولو في أقصى الأرض هزيمة لنا وانتصار الحرية في أي مكان هو انتصار لنا") هي خير دليل على شرعية المقاومة في سعيها نحو الحرية.

انتصار الحرية كمعادل موضوعي ورمز ووسيلة للكرامة والاستقلال لا يكتمل إلا بتحرير الأرض من المستعمر والمحتل. تجربة المقاومة في كل أرجاء العالم تفيد بأن المقاومة المسلحة حق طبيعي للدفاع عن حق الإنسان في أرضه ودفاعًا عن نفسه وذويه، وهي مقاومة تنبثق منها قيم الشجاعة والمروءة والتضحية.

بالعودة إلى كل البلدان المستعمرة السابقة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم، يتضح أن الإنسان لا ينفصل عن الأرض، مثلما لا ينفصل عن الثقافة. لذلك، الاختلاف بين أشكال المقاومة (المسلحة والسلمية، العصيان المدني والمظاهرات) هو اختلاف طبيعي بالنظر إلى اختلاف الثقافات والتقاليد والعادات والسياقات، وإن توحدت كل الأشكال في الحق الشرعي في الدفاع المسلح عن الأرض والنفس والكرامة والعرض والمعتقد، وهو ما يجعل الدفاع عن الأرض والإنسان والثقافة هو جوهر فعل المقاومة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة